أهلُ الكتابِ إذا لم يُسلموا يصنَّفونَ على أنهم منحرفونَ ضالُّون، مشركونَ كافرون، ، وأنهم أعداءٌ لله ودينه، لأنهم يرفضونَ الحقّ، ويحاربونَ العقيدةَ الصحيحةَ التي يدعو الله الإنسانَ إليها، ولذلك فهم يُدعَونَ إلى الإسلام، ويُحارَبونَ إذا أبَوا، يقولُ الله تعالَى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
أي: قاتلوا أيُّها المؤمنونَ أهلَ الكتابِ المنحرفينَ عن دينِ اللهِ -وكانَ ذلك تَمهيداً لغزوِ الرُّومِ وعمّالِهم من النَّصارَى العربِ- الذين لا يؤمنونَ باللهِ ولا بيومِ القِيامةِ إيمانًا صَحيحًا، فقد قالتِ اليهودُ عُزَيْرٌ ابنُ الله، وقالت النصارَى المسيحُ ابنُ الله، وهذا لا يكونُ إيماناً بالله، بل هو آراءٌ فاسِدةٌ وأهواءٌ زائغة.
ولا يحرِّمونَ ما حرَّم اللهُ ورسولهُ كما أوحَى اللهُ به، فأحلُّوا الرِّبا، وأكلوا أموالَ الناسِ بالباطل، وأحلُّوا لحمَ الخنزيرِ، والخَمر...
ولا يتَّبعون الدِّينَ الثابتَ الذي أمرَ اللهُ به، وهو الإسلام، فهم لا يتعاملونَ بشريعةِ الله، بل يتلقَّونَ الأحكامَ من أحبارِهم ورهبانِهم.
فقاتلوهم، فهم حربٌ على دينِ اللهِ الصَّحيح. وهم ظالمونَ مُعتَدونَ حَقيقةً، فهم يَعتَدونَ على أُلوهيَّةِ اللهِ الخالقِ العظيم، وهم يَعتدونَ على عبادِ اللهِ بتعبيدِهم لغيرِ الله. والمعتَدي يُقاوَمُ ويُحارَب.
فقاتِلوهمْ حتَّى يُعلِنوا استِسلامَهم ويدفعوا الجزيةَ المستَحقَّةَ عليهم عن انقيادٍ وطاعةٍ وهم أذلَّةٌ مَقهورون، ومَن أسلمَ منهم عن اختيارٍ فلا تُؤخَذُ منهُ الجزية، بل صارَ كأيِّ مُسلِم، لهُ ما لَه، وعليهِ ما عليه. ثمَّ لا يُكْرَهُ أحدٌ على الإسلام، فمن شاءَ آمن، ومَن شاءَ بقيَ على دينهِ ودفعَ الجِزية، وهوَ مبلغٌ قليلٌ يُؤخَذُ منهم مقابلَ حمايتِهم.
وأمرُ الجهادِ مَوكولٌ إلى الإمامِ واجتهادِه، لأنَّهُ أعرَفُ بحالِ النَّاس، وبحالِ العدوِّ ونِكايَتِهم.