قد يحرجُ المسلمُ أن يذكرَ منافعَ لأشياءَ حرَّمها الإسلام، بقصدِ أن الإسلامَ لا يحرِّمُ إلا ضارًّا. والحقُّ أنه قد يوجدُ في بعضها نفع، ولكن ما نسبتهُ إلى الضررِ الذي فيه؟ قليلٌ جدًّا قد لا يتجاوزُ الواحدَ والخمسةَ والعشرة بالمئة! وحتى هذه النسبةَ القليلةَ لا تنفعُ المسلم، لأنها جاءتْ من شيءٍ محرَّم.
مثالهُ قولهُ تعالَى في مرحلةٍ من مراحلِ تحريمِ الخمرِ والميسر: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (سورة البقرة:219).
أي: يسألونكَ عن حُكمِ الخمرِ والقمار، فقل: في تعاطيهما ذنبٌ كبيرٌ ومَفْسَدةٌ كبيرة، مع شيءٍ من المنافع، ففيهما ذهابُ العقلِ والمالِ والدِّين، والمخاصمةُ والمشاجرةُ والمعاداة، وفيهما منافعُ جسميَّةٌ ونفسيَّةٌ مؤقَّتة، كالهضمِ والطرب، وربَّما ربحٍ في المقامرة، لكنَّ إثمَهما والخسارةَ فيهما أكثرُ بكثيرٍ من منافعِهما.
وكانَ هذا أوَّلَ خَطوةٍ في تحريمِهما، بأسلوبٍ تربويٍّ ربانيٍّ حكيم، ثمَّ نزلَ التحريمُ الشاملُ في قولهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة المائدة: 90].