كلٌّ يتمنَّى ما يريد، ويتخيَّلُ مكانهُ في الجنةِ كما يشاء، ويتصوَّرُ نفسَهُ مع الحورِ العين، على الأرائك وفي ثيابٍ جميلةٍ من حرير... ولكنَّ الحقَّ أن الأمرَ ليسَ بالتمنِّي، إنما هو بالإيمانِ الصحيحِ والعملِ الصالحِ والإخلاصِ في ذلك كلِّه. وهذه صراحةُ القرآنِ مع المسلمينَ وأهلِ الكتابِ أجمعين. يقولُ الله تعالَى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} [سورة النساء: 123].
في حديثٍ مُرسَلٍ بإسنادٍ صحيح، أنَّهُ احتجَّ المسلمونَ وأهلُ الكتاب، فقالَ المسلمون: نحنُ أهدَى منكم، وقالَ أهلُ الكتاب: نحنُ أهدَى منكم. فأنزلَ اللهُ الآية.
ليسَ الأمرُ كما تمنَّيتُم أيُّها المسلِمون، ولا كما تصوَّرتُمْ يا أهلَ الكتاب، فإنَّ كلَّ من يعملُ ذَنْباً سوفَ يُحاسَبُ عليه، إنْ عاجلاً أو آجلاً، فالعِبرةُ بالطَّاعةِ والعَمل، لا بالتحلِّي والتمَنِّي. وإنَّ الذي يعملُ السُّوءَ متجاوزاً بذلكَ الحدودَ التي وضعها الله، فلن يجدَ مَنْ يدافعُ عنه، أو يُنجيهِ من عذابهِ إذا حلَّ به.
والمقصودُ ما كان كلُّ دينٍ في وقتِه، أمّا بعدَ بعثةِ رسولِ اللهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فلا دينَ سوَى الإسلام.
وفي تتمَّةِ الحديثِ السابقِ مِنْ سببِ النـزول، أنَّ المسلمينَ غَلبوا أهلَ الكتابِ في حُجَّتهم، بالآيةِ التالية: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً}.
والعمومُ في الآيةِ السابقةِ مخصَّصٌ بالتوبة، وبمَنْ يتفضَّلُ اللهُ بالعفوِ عنه.