الصراط المستقيم في قوله تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} هو المنهج الحق الذي لا يميل، وهو ما يكون بوحي الله وتوفيقه، والمسلم يدعو بهذا في سورة الفاتحة كل يوم مرات، وتعني الآية: نسألك يا ربَّنا أن تُرشدنا وتوفِّقنا دائماً إلى الطريق الواضح الذي لا انحراف فيه، وهو اتباع دينك، وأن تثبتنا عليه.
وهو دعاء عظيم يحتاج إليه كل مسلم، وخاصة في هذا العصر الذي زادت فيه الفتن: "يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرَض من الدنيا" كما في صحيح مسلم.
ولعل في الآية الكريمة ما هو أوسع من هذه الدلالة، فإن المرء تعترضه أمور، وتفاجئه نوازل، وتواجهه مشكلات، لا يعرف طريق النور إليها، أو كيفية الخروج منها، وهو يبتغي رضاء الله، والمنهج السوي في هذه المدلهمات، وتأتي هذه الآية دعاء في ذلك، فالمرء بحاجة إلى دعاء مستمر لكي يهتدي بهداية الله، ويسير على الصراط المستقيم، وحتى لا يزيغ قلبه، ولا يُفتَن، ولا ينجرفَ مع أفكار وتيارات وفِرَق منحرفة، وأهواء زائغة... وهي كثيرة في محيطه.
والله سبحانه وتعالى هو الذي يتولى عباده المؤمنين بالهداية والتوفيق، ويجنبهم الأفكار السيئة والطرق الملتوية والاتجاهات المنحرفة. يقول ربنا الكريم في الآية (43) من سورة الأحزاب: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}.
أي أن الله يُثني عليكم عند ملائكته، وهم يَدعون ويستغفرون لكم كذلك، ليخرجكم من ظلمات الجهل والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة، وكان رحيماً بالمؤمنين إذ هداهم للحق في الحياة الدنيا، وأعدَّ لهم ما يسرهم في الآخرة.
وفي آية أخرى من روائع الهداية في كتاب ربنا الكريم: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} [سورة مريم: 76].
أي: يزيد الله المؤمنين المهتدين بهدي الله إيماناً ويقيناً. والطاعاتُ والأعمال الصالحة خيرٌ عند الله جزاء، فتبقى فوائدها، وتدوم عوائدها، وخير عاقبة ومرجعاً على صاحبها، فنتيجتها النعيم المقيم، ورضاءُ ربِّ العالمين.
إن الهداية تعني الحق، وتعني الطريق الصحيح الممهَّد للقلوب المهتدية. وتعني النقاء والصفاء، الذي يجلب الاطمئنان للقلب، والراحة للنفس، والنجاح في الدنيا، والفوز في الآخرة. اللهم اجعلنا ممن ينالونها.